كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



في رواية: ومن شر أبي قِتْرة وما ولد.
وقال: «فامسحوا نواصيكم» ولم يشك.
وروى البخاريّ عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يَنْفِث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات فلما ثقل كنت أنْفِث عليه بهن وأمسح بيده نفِسه لبركتها.
فسألت الزهري كيف كان ينفِث؟ قال: كان يَنْفِث على يديه ثم يمسح بهما وجهه.
وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه المعوِّذتين وتَفَل أو نَفَث.
قال أبو بكر بن الأنباري: قال اللغويون تفسير نفث نفخ نفخًا ليس معه ريق.
ومعنى تَفَل نفخ نفخًا معه ريق.
قال الشاعر:
فإن يَبْرأ فلم أنْفِث عليه ** وإن يُفْقَد فحقَّ له الفُقود

وقال ذو الرُّمَّة:
ومِن جَوْف ماءٍ عَرْمَض الحَولِ فوقه ** متى يَحْسُ منه مائحُ القوم يَتْفُلِ

أراد ينفخ بريق.
وسيأتي ما للعلماء في النفث في سورة الفلق إن شاء الله تعالى.
الثالثة: روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الرُّقى إلا بالمعوِّذات.
قال الطبري: وهذا حديث لا يجوز الاحتجاج بمثله في الدِّين؛ إذ في نقلته من لا يُعرف.
ولو كان صحيحًا لكان إما غلطًا وإما منسوخًا؛ لقوله عليه السلام في الفاتحة «ما أدراك أنها رُقية» وإذا جاز الرقي بالمعوذتين وهما سورتان من القرآن كانت الرقية بسائر القرآن مثلهما في الجواز إذ كله قرآن.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «شفاء أمتي في ثلاثٍ، آية من كتاب الله أو لعقة من عسل أو شرطة من محِجم» وقال رجاء الغَنَوِيّ: ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاء له.
الرابعة واختلف العلماء في النَّشرة، وهي أن يكتب شيئا من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ثم يسمح به المريض أو يسقيه، فأجازها سعيد بن المسيِّب.
قيل له: الرجل يؤخذ عن امرأته أيُحَلّ عنه ويُنْشر؟ قال: لا بأس به، وما ينفع لم ينه عنه.
ولم ير مجاهد أن تكتب آيات من القرآن ثم تغسل ثم يسقاه صاحب الفزع.
وكانت عائشة تقرأ بالمعوِّذتين في إناء ثم تأمر أن يصب على المريض.
وقال المازَرى أبو عبد الله: النُّشرة أمر معروف عند أهل التعزيم؛ وسُمّيت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أي تحُلّ.
ومنعها الحسن وإبراهيم النَّخعيّ، قال النَّخعىّ: أخاف أن يصيبه بلاء؛ وكأنه ذهب إلى أنه ما محى به القرآن فهو إلى أن يعقب بلاء أقرب منه إلى أن يفيد شفاء.
وقال الحسن: سألت أنَسا فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الشيطان.
وقد روى أبو داود من حديث جابر ابن عبد الله قال؛ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان» قال ابن عبد البر: وهذه آثار لينة ولها وجوه محتملة، وقد قيل: إن هذا محمول على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وعن المداواة المعروفة.
والنشرة من جنس الطب فهي غسالة شيء له فضل، فهي كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك ومن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل».
قلت: قد ذكرنا النص في النشرة مرفوعا وأن ذلك لا يكون إلا من كتاب الله فليعتمد عليه.
الخامسة قال مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها بتعليقها مدافعة العين.
وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين.
وعلى هذا القول جماعة أهل العلم، لا يجوز عندهم أن يعلق على الصحيح من البهائم أو بني آدم شيء من العلائق خوف نزول العين، وكل ما يعلق بعد نزول البلاء من أسماء الله عز وجل وكتابه رجاء الفرج والبرء من الله تعالى، فهو كالرُّقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين وغيرها.
وقد روى عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فزع أحدكم في نومه فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وسوء عقابه ومن شر الشياطين وأن يحضرون» وكان عبد الله يعلمها ولده من أدرك منهم، ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه.
فإن قيل: فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من علق شيئا وكل إليه» ورأى ابن مسعود على أمّ ولده تميمة مربوطة فجبَذَها جَبْذا شديدا فقطعها وقال: إن آل ابن مسعود لأغنياء عن الشرك، ثم قال: إن التمائم والرقى والتولة من الشرك.
قيل: ما التِّوْلَة؟ قال: ما تحببت به لزوجها.
وروى عن عقبة بن عامر الجهنى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له قلبا» قال الخليل بن أحمد: التميمة قلادة فيها عوذ، والودعة خرز.
وقال أبو عمر: التميمة في كلام العرب القلادة، ومعناه عند أهل العلم ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها من أنواع البلا وكأن المعنى في الحديث من يعلق خشية ما عسى أن ينزل أو لا ينزل قبل أن ينزل، فلا أتمّ الله عليه صحته وعافيته، ومن تعلق ودعة وهي مثلها في المعنى فلا ودع الله له؛ أي فلا بارك الله له ما هو فيه من العافية. والله أعلم.
وهذا كله تحذير مما كان أهل الجاهلية يصنعونه من تعليق التمائم والقلائد، ويظنون أنها تقيهم وتصرف عنهم البلاء، وذلك لا يصرفه إلا الله عز وجل، وهو المعافي والمبتلي، لا شريك له، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كانوا يصنعون من ذلك في جاهليتهم.
وعن عائشة قالت: ما تعلق بعد نزول البلاء فليس من التمائم، وقد كره بعض أهل العلم تعليق التميمة على كل حال قبل نزول البلاء وبعده، والقول الأول أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى.
وما روى عن ابن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه غير القرآن أشياء مأخوذة عن العرافين والكهان؛ إذ الاستشفاء بالقرآن معلقا وغير معلق لا يكون شركا، وقوله عليه السلام: «من علّق شيئا وكل إليه» فمن علّق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يكله إلى غيره.
لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الأستشفاء بالقرآن.
وسئل ابن المسيِّب عن التعويذ أيعلّق؟ قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس به، وهذا على أن المكتوب قرآن.
وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسا أن يعلّق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع وعند الغائط.
ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلّق على الصبيان.
وكان ابن سيرين لا يرى بأسا بالشيء من القرآن يعلّقه الإنسان.
السادسة قوله تعالى: {وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} تفريج الكروب وتطهير العيوب وتكفير الذنوب مع ما تفضل به تعالى من الثواب في تلاوته؛ كما روى الترمذي عن عبد الله ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألفٌ حرف ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرف» قال هذا حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم.
{وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا} لتكذيبهم.
قال قتادة: ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، ثم قرأ: {ونُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُو شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِين} الآية ونظير هذه الآية قوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وقيل: شفاء في الفرائض والأحكام لما فيه من البيان.
قوله تعالى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي هؤلاء الذين يزيدهم القرآن خسارا صفتهم الإعراض عن تدبر آيات الله والكفران لنعمه.
وقيل: نزلت في الوليد ابن المغيرة.
ومعنى {نَأَى بِجَانِبِه} أي تكبر وتباعد.
وناء مقلوب منه؛ والمعنى: بَعُد عن القيام بحقوق الله عز وجل؛ يقال: نأى الشيء أي بعد.
ونأيته ونأيت عنه بمعنى، أي بَعدت.
وأَنْأيته فانتأى؛ أي أبعدته فَبعُد.
وتناءَوْا تباعدوا.
والمُنْتأى؛ الموضع البعيد.
قال النابغة:
فإنك كالليل الذي هو مُدْرِكى ** وإن خِلْتُ أن المنتأى عنك واسعُ

وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان {ناء} مثل باع، الهمزة مؤخرة، وهو على طريقة القلب من نأى؛ كما يقال: راء ورأى.
وقيل: هو من النوء وهو النهوض والقيام.
وقد يقال أيضا للوقوع والجلوس: نوء؛ وهو من الأضداد.
وقرئ {ونئى} بفتح النون وكسر الهمزة.
والعامة {نأى} في وزن رأى.
{وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوسًا} أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط؛ لأنه لا يثق بفضل الله تعالى.
قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ}
قال ابن عباس: ناحيته.
وقاله الضحاك.
مجاهد: طبيعته.
وعنه: حِدته.
ابن زيد: على دينه.
الحسن وقتادة: نيته.
مقاتل: جِبِلته.
الفراء: على طريقته ومذهبه الذي جُبل عليه.
وقيل: قل كلٌّ يعمل على ما هو أشكل عنده وأوْلى بالصواب في اعتقاده.
وقيل: هو مأخوذ من الشكل؛ يقال: لست على شَكْلِى ولا شاكلتي.
قال الشاعر:
كل امرئ يشبهه فعله ** ما يفعل المرء فهو أهله

فالشكل هو المثل والنظير والضرب.
كقوله تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص: 58].
والشكل بكسر الشين: الهيئة.
يقال: جارية حسنة الشَّكل.
وهذه الأقوال كلّها متقاربة والمعنى: أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألِفَها، وهذا ذمُّ للكافر ومدح للمؤمن.
والآية والتى قبلها نزلتا في الوليد بن المغيرة؛ ذكره المهدوى.
{فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلًا} أي بالمؤمن والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم.
وقيل: {أهدى سَبِيلًا} أي أسرع قبولا.
وقيل: أحسن دينا.
وحكى أن الصحابة رضوان الله عليهم تذاكروا القرآن فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} فإنه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ولا يشاكل بالرب إلا الغفران.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ حمتَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول} قدم غفران الذنوب على قبول التوبة، وفى هذا إشارة للمؤمنين.
وقال عثمان بن عفان رضى الله عنه: قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره.
فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} [الحجر: 49].
وقال علىّ بن ابى طالب رضى الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} [الزمر: 53].
قلت: وقرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].